۲: تجديد النسوية لفروع الفلسفة السائدة ونفوذها وتخللها إلى الوسط الفلسفي،
هذا النص لكانط، ستعتقد فيه المرأة حينما تقرأه، أنه يخاطبها، ويمسُّ جزءا حسّاسًا، وربما عميقًا بداخلها، وذلك إن اعتَبَرت نفسها مشمولةً بمن يتحدث عنهم كانط، أي بكونها إنسانا يملكُ عقلا ويستطيع التفكير. حينها، سترى فيه نصَّا ثوريا يدعوها للخروج عن "الوصاية الفكرية" التي حَكَمتها طوال السنين، وأن تتجرَّأ على استخدام عقلها، تاركةً كَسل المواجهة ومتحلية بالشجاعة لرفض من نصّبوا أنفسهم أولياء عليها. غير أنها -المرأة- ستكتشف، أن كانط لم يشملها في خطابه ذاك، بل خاطَبَ الرجل وحده، باعتباره الوحيد الذي يملك عقلًا ويستطيع أن يفكر.
لكن هذه السردية التاريخية بدأت تتصدع على مدى العقود القليلة الماضية، وشرعنا نرى بدايات توجه إلى الاعتراف بالفلاسفة من النساء - فلنقل الفيلسوفات إذن - ومساهماتهن البالغة في ضبط إيقاعات تراكم المعارف، ليس المعاصرات منهن فحسب، ولكن أيضاً في الأزمنة التاريخية، حيث كان هناك دائماً فلاسفة من النساء كما من الرجال. هيباتيا الإسكندرانية مثلاً كانت تعرف من مجايليها ببساطة باسم «الفيلسوفة»، وسافر مئات الشبان من جميع أنحاء حوض البحر المتوسط لحضور محاضراتها العامة.
جون لوك، على سبيل المثال، دعم حقوق المرأة في التعليم، في حين أن جان جاك روسو في كتابه إميل ركز على دور المرأة كأم وزوجة ودعا إلى تعليم النساء فقط ما يؤهلهن لهذا الدور.
مع مرور الوقت، استمرت النساء في كسر الحواجز، حيث ساهمت كل من الفيلسوفات المعاصرات في توسيع نطاق الفلسفة، وتقديم رؤى جديدة تتعلق بالعدالة، والهوية، والأخلاق.
إن سجلات المجد التاريخي متخمة بأسماء الفلاسفة الذكور ووصف تأثيرهم البالغ على تطور العقل الإنساني. فمن منا لم يسمع بسقراط أو أفلاطون أو أرسطو أو نيتشه أو هيغل أو ماركس أو رسل أو ديوي أو باديو، بينما إذا طلبت من أحدهم أن يسمي لك فيلسوفة واحدة فسينظر إليك كمن سأل عن كائن أسطوري، أو «عنقاء حكيمة» وثانية المستحيلات.
أجل، إن النسوية فيها خلاف عريض واسع جدا، ولها مناهج متضاربة وأساليب متدابرة، ونقابات مختلفة واتجاهات متباينة، ولكن ما يجمعها أقوى وأكثر مما يفرقها. والنسوييون يستفيدون بعضهم ببعض على اختلاف الاتجاهات والتيارات.
ولكن هذا الخلاف في كل شيء تقريبا لم يمنع أنصار النسوية من العمل، والعزم على إدخال تغير جذري في المجتمع كي ترسو سفينة جهودهم بالمرأة على مرساة النجاة من الضيم والهوان، وخاصة ما كان على أساس أنوثتها.
عل كل حال، نعود إلى حيثية النبش عن أسس التحيز الجنسي: حيثية التفسير وحيثية التبرير.هاتان الحيثيتان ليس بينهما اختلاف تضاد وتناف، بل اختلاف تنوع وانقسام، وكل منهما حفيد لصاحبه وعماد له. فإن الفعل البشري قلما يفهم على وجهه الصحيح إلا في وسط منتظم معين، وهذا الوسط يضمن له بالتبرير، ويربت على كتفي من يقوم بتجريمه فيهدّئه.
لعلك تفطن لأن ما جعلناه وصفيا مقابلا للمعياري لايخلو هو أيضا من التقدير والتقويم وضرب العيار، فإن النسوي لايعقل أن يصف وضع المرأة من منظوره من غير أن يضعه على معياره. لذلك لانريد من قولنا: “الأمر الوصفي” إلا أن غرضه الأساسي هو تقرير الواقع ووصف الوضع فقط، لاتقرير ما ينبغي ووصف ما لاينبغي، وهو غرض “الأمر المعياري”.
فإذا كان لهم كلمة جامعة في أمور شتى، فهذا لايعني عدم تضارب آراءهم في أمور أخرى، لقد اختلف الفلاسفة النسوييون في الإطار المعرفي (أينبغي أن يكون -مثلا- تحليليا أم قاريّا؟)، والإطار الوجودي (كمثل وجود مقولة “المرأة”)، وتضاربت وصفات الدواء الذي يرجى منه شفاؤ داء التحيز شاهد المزيد من الإمكانات السياسية والمعنوية.
فهل يعمل أنصار النسوية على سد كافة المنافذ؟ هذا هو السؤال الذي نحلق في فضاءه في هذا الفصل.
الفلسفة ما بعد الحداثية تتحدى الأفكار التقليدية حول الهوية والجندر، وتركز على كيفية تشكيل المجتمع والثقافة لأدوار الجنسين.
وستقام جلسات ثقافية في عدد من الأجنحة التي ستشهد مشاركة الجهات ذات العلاقة بصناعة ونشر الكتاب، وحضور مؤلفين للتوقيع على إصداراتهم، وإبرام عقود الإنتاج والنشر، ومشاركة المؤسسات المعنية بصناعة الكتاب وما يتصل به من إعداد وتجهيز وتغليف وإخراج فني.
Comments on “المرأة والفلسفة - An Overview”